إن كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله هي من الأذكار العظيمة القدر، الرفيعة المنزلة، العالية الرتبة، ولها من الفضائل والفوائد والمنافع ما لا يعلمه إلا الله سبحانه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه ويحثهم عليها، وتأتي هذه الكلمة في الأذكار المطلقة والمقيدة، فلفظ الحول يتناول كل تحول من حال إلى حال، والقوة هي القدرة على ذلك التحول، فدلت هذه الكلمة العظيمة على أنه ليس للعالم العلوي والسفلي حركة وتحول من حال إلى حال ولا قدرة على ذلك إلا بالله.
وجاء في معنى الحول، بأنه الحركة والحيلة أي لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله تعالى. وقيل: معناه لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله. وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته ولا قوة على طاعته إلا بمعونته وحُكي هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه وكله متقارب. وقال الإمام الطحاوي – رحمه الله – في تفسيره لمعنى "لا حول ولا قوة إلا بالله": لا حيل ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله، وكل شئ يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره، غلبت مشيئته المشيئات كلها، وعكست إرادته الإرادات كلها، وغلب قضاؤه الحيل كلها يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبداً "لَا يُسَۡٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسَۡٔلُونَ" (الأنبياء : 23).
ورد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « من قال لا حول ولا قوة إلا بالله كان دواء من تسعة و تسعين داء أيسرها الهمّ » رواه الحافظ الطبراني رحمه الله.
في مسند البزار (5\374) " عن القاسم بن عبد الرحمـٰن عن أبيه عن عبد الله قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لا حول ولا قوة إلا بالله فقال رسول الله « تدري ما تفسيرها » قلت الله ورسوله أعلم قال « لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله »"
لا حول ولا قوة إلا بالله معناها لا حول عن معصية الله إلا بحفظ الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله، والمعنى أن الله هو خالق أعمال العباد كلها، فمن وُفِّقَ إلى شىء من الخير فبتوفيق الله وإرادته وخلقه تعالى، ومن فعل شيئا من الحرام فبإرادة الله وخلقه كذلك، وكذلك من فعل الكفر أو الضلال فهو بخلق الله وبإرادته وخذلان الله له، لا يخلق أحد شيئا إلا الله تعالى الذي هو خالق كل شىء سبحانه سواء كان خيرا أو شرا، ولكن الله يرضى الخير ولا يرضى الشرّ. قال الله تعالى: {قل الله خالق كل شىء} [سورة الرعد، الآية 16] فأكثروا إخواني وأخواتي من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها غراس الجنة، من قالها مرة كان له في الجنة شجرة ساقها من ذهب.
رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ « مُرْ أُمَّتَكَ فَلْيُكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِ الْجَنَّةِ فَإِنَّ تُرْبَتَهَا طَيِّبَةٌ وَأَرْضَهَا وَاسِعَةٌ، قَالَ: "وَمَا غِرَاسُ الْجَنَّةِ؟"، قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ » قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ « يَا عَبْدَ اللهِ بنَ قَيْسٍ، أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ». وَمَعْنَى لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ: لاَ حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ إِلاَّ بِعِصْمَةِ اللهِ وَلاَ قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ إِلاَّ بِعَوْنِ اللهِ.
تعليقات
إرسال تعليق
أكتب تعليقا اذا كنت تريد نشر شيء معين أو تريد تنويرنا بفكرة.