بين نيتشه وسقراط ودستويفسكي
كان من المؤثرين في كتابات نيتشه وفلسفته هو دوستويفسكي بالرغم من لو قرأ أحد لنيتشه وقرأ لدوستويفسكي لن يجد أي اتصال بين نيتشه وبين دوستويفسكي في كتابتهم ، ولكن أعتمد نيتشه في كتاباته الغموض واللغه الصعبه ، فلناخذ علي سبيل المثال كتاب هكذا تكلم زرادشت ، الكتاب في ترجمه علي مصباح مكتوب علي الغلاف ( كتاب للجميع ولغير أحد) وكأن من سيقرأ الكتاب مبتدئ أو متمرس سينال حصته من الفهم ، لقد قرأت الكتاب بعد عناء طويل مع مؤلفات نيتشه وكنت حريصاً علي أن لا تفوت كلمه من غير أن احللها إلي أن توصلت في النهاية أن الكتاب عبارة عن طلاسم يحتاج إلي أن يدرس برفق وعنايه لكي يفهم جيدا ، وعلي النقيض نجد دوستويفسكي وروايته الجريمه والعقاب مثلا ،. دوستويفسكي كان صريحاً جدا في كتاباته لا يميل إلي الغموض ، إذا أراد أن يقول كذا قال كذا دون الرجوع إلي طمس المعني وراء الألفاظ الصعبه والمريبه ، مع نيتشه لا تفهم ماذا يريد جيدا ، مع دوستويفسكي تفهم جيدا ماذا يريد دوستويفسكي ، وهذا الفرق بينهما .
عندما قال سقراط: «تكلّم حتى أراك» رد عليه دوستويفسكي بعدها بأكثر من ألفيّ سنة قائلًا: «قد يكون في أعماق المرء ما لا يمكن نبشه بالثرثرة، إيّاك أن تظن أنك عرفتني لمجرد أني تحدثت إليك».
ولكن أظن أنه قد ساء فهم دوستويفسكي لسقراط ، ومن هنا تجد مغالاه الفلاسفة مع بعضهم البعض ، فسقراط قال هذه الجمله عندما دخل عليه رجل يتباهي بثيابه فهو قال له أن شخصيه الفرد تنعم من أفكاره ، واللغه المنطوقه هي داله الفكر ، فسقراط أراد الداله ولم يرد المدلول كما زعم دوستويفسكي ،
يقول نيتشه: "كل شيء عنده (سقراط) مبالغ فيه، مهرج، كاريكاتوري. كل شيء مخفي في نفس الوقت، غني بالدوافع الخفية، تحت أرضي. لغز سقراط يكمن في المعادلة الغبية بين العقل والفضيلة والسعادة - معادلة معارضة لكل غرائز الإغريق الأوائل، للصحة والنبل اليونانيين. يتم توفير مفتاح هذا اللغز من خلال الاكتشاف السقراطي للجدلية، أي البحث عن الأسباب. كان اليونانيون الأوائل من الطبقة العليا يزدرون البحث عن أسباب سلوكهم وعرضها. لم يكن الامتثال للسلطة، للقيادة سواء من الآلهة أو من أنفسهم، سوى مسألة أخلاق حسنة بالنسبة إليهم. الوحيدون الذي يلجأون إلى الجدل هم أولئك الذين لا يملكون وسائل أخرى ليكونوا مسموعين ومحترمين. إنه نوع من رد فعل الأخيار ضد الأشرار".
بالنسبة لنيتشه، يفسح الجدلي المجال لخصمه ليثبت أنه ليس أحمق؛ يثير حفيظته وينزع منه سلاحه في نفس الوقت. فتن سقراط الناس لأنه اكتشف في الجدل شكلا جديدا من المصارعة؛ هكذا استقطب الشباب النبيل في أثينا ومن بينهم، قبل كل شيء، أفلاطون. في عصر فقدت فيه الغرائز سلامتها القديمة وتفككت، كانت هناك حاجة لطاغية غير غريزي؛ هذا الطاغية كان هو العقل. ومع ذلك، فإن هذا العلاج يمت بصلة إلى الانحطاط كما إلى المرض.
تعليقات
إرسال تعليق
أكتب تعليقا اذا كنت تريد نشر شيء معين أو تريد تنويرنا بفكرة.